بعد أكثر من عقدٍ من المعاناة، والتضحيات، والنضال، طوت سوريا صفحة قاتمة من تاريخها بإسقاط نظام بشار الأسد. لحظة الانتصار لم تكن مجرد نهاية لحكمٍ استبدادي امتد لعقود، بل بدايةٌ لعصرٍ جديدٍ يأمل فيه السوريون استعادة ما فقدوه من كرامة وحرية وأمن. ومع إعلان تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع، باتت الأنظار معلّقة على دمشق، حيث تتشكل ملامح الدولة السورية الحديثة.
الطريق إلى الانتصار: ثمنٌ باهظ وأمل لا ينطفئ
انطلقت شرارة الثورة السورية في مارس 2011، ضمن موجة الربيع العربي، حين خرج السوريون إلى الشوارع يطالبون بالحرية والإصلاح السياسي. قابل النظام هذه المطالب السلمية بالقمع الوحشي، ما أدى إلى انزلاق البلاد إلى صراعٍ دموي خلّف أكثر من نصف مليون قتيل وملايين المهجّرين واللاجئين، ودماراً هائلاً في البنية التحتية.
رغم العزلة، والتخلي الدولي، وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، استطاعت قوى الثورة السورية – بدعم شعبي كبير – أن تواصل النضال المسلح والسياسي، حتى أعلنت قبل أسابيع، وبشكل رسمي، إسقاط النظام وانهيار آخر معاقله في دمشق، إيذاناً ببداية مرحلة انتقالية شديدة الحساسية.
رئيس جديد… وسوريا على مفترق طرق
الرئيس الجديد أحمد الشرع، وهو أحد الشخصيات الوطنية البارزة في صفوف المعارضة منذ سنوات، يواجه اليوم مهمة تاريخية معقّدة. فإدارة سوريا ما بعد الأسد لا تشبه أي تجربة حكم سابقة؛ فهي دولة ممزقة الأوصال، جريحة، مثقلة بالإرث الدموي، وتعاني من تحديات اقتصادية وإنسانية هائلة.
من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة:
1. الوحدة الوطنية: بعد سنوات من الحرب والانقسامات الطائفية والإثنية، تحتاج البلاد إلى مشروع جامع يعيد لحمة المجتمع السوري، ويضمن التمثيل العادل لكل مكوناته ضمن إطار دولة مدنية ديمقراطية.
2. العدالة الانتقالية: من القضايا الحساسة التي لا يمكن تجاوزها، ضرورة محاسبة رموز النظام السابق عن جرائمهم بحق المدنيين، وفي الوقت نفسه، تجنّب الانزلاق إلى دوامة الانتقام والفوضى.
3. إعادة الإعمار: سوريا مدمّرة في بنيتها التحتية والتعليمية والصحية. المهمة تتطلب خطة وطنية شاملة ودعماً دولياً واسعاً، مع التأكد من الشفافية وتجنّب الفساد.
4. عودة اللاجئين والمهجّرين: عودة السوريين إلى ديارهم تمثل تحدياً إنسانياً وأمنياً واقتصادياً، ولا بد أن ترافقها ضمانات قانونية وبيئية حقيقية.
5. استعادة السيادة: على الحكومة الجديدة أن تعمل على إنهاء الوجود العسكري الأجنبي، وضبط السلاح، واستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية.
المجتمع الدولي: بين الدعم والمصالح
العالم ينظر إلى سوريا اليوم بعين الحذر. فبينما رحّبت بعض الدول بانتصار الثورة، لا يزال المجتمع الدولي منقسماً بشأن شكل الدعم الممكن. التحدي يكمن في الموازنة بين السيادة الوطنية والاستفادة من الشراكات الدولية في ملفي الإعمار والاقتصاد، دون السقوط في فخ التبعية.
خاتمة: فجر جديد لسوريا
الثورة السورية لم تنتصر فقط على نظام الأسد، بل على منطق القمع والتوريث والاستبداد. غير أن النصر الأكبر سيكون بتحقيق أحلام السوريين في دولة العدالة، القانون، والمواطنة. التحديات جسيمة، لكن الأمل أكبر، والإرادة الشعبية التي أطاحت بأعتى الأنظمة، قادرة على بناء وطن يليق بتضحيات أبنائه.