منذ أن عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل شهور قليلة، بدا أن سياسات واشنطن في الشرق الأوسط دخلت مرحلة أكثر صراحة وحدّة. ومع تفجّر جولة جديدة من الحرب في غزة، سرعان ما بدا تأثير ترامب جليًا، ليس فقط في دعم إسرائيل اللامحدود، بل في طرحه لرؤى مثيرة للجدل حول “حل الصراع” عبر ما وصفه بـ”خطة إعادة التوزيع السكاني في القطاع”، والتي أثارت موجات غضب عارمة عربياً ودولياً.
عودة الصقر الأمريكي
عاد ترامب إلى السلطة متسلحاً بخطاب شعبوي صارم، وعد فيه بإعادة الهيبة الأمريكية في الخارج. ومع اندلاع المواجهات في غزة، سارع إلى تأكيد دعم إدارته الكامل لإسرائيل، معلناً أن “أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي”.
وفي أول خطاب له عقب تصاعد القتال، قال ترامب:
“لن نسمح لحماس أو لأي جماعة إرهابية بتهديد أصدقائنا في تل أبيب. سنوفر كل ما تحتاجه إسرائيل للدفاع عن نفسها واستعادة الأمن.”
الدعم العسكري والاستخباراتي
تحت إدارة ترامب، تسارعت وتيرة إمداد إسرائيل بالذخائر الذكية وصواريخ الاعتراض، بما في ذلك دفعات إضافية من صواريخ “القبة الحديدية” و”ديفيد سلينغ”، إضافة إلى دعم استخباراتي مباشر مكّن إسرائيل من تنفيذ عمليات دقيقة ضد قيادات في قطاع غزة.
وفي تطور لافت، كشفت مصادر أمريكية عن مشاركة وحدات استخباراتية أمريكية في عمليات تعقّب الرهائن الذين اختطفوا خلال المواجهات، وأسفرت هذه العمليات عن “استعادة عدد من الرهائن الأجانب والإسرائيليين”، بحسب البيان الرسمي للبيت الأبيض.
خطة مثيرة للجدل: “تهجير إنساني”؟
لكن ما أثار أوسع الجدل هو حديث ترامب في مؤتمر صحفي عن “خطة تهجير إنساني مؤقت” لسكان غزة، قال إنها تهدف لـ”حمايتهم من نيران الحرب” وإعادة توزيعهم في مناطق آمنة، بالتعاون مع دول عربية.
خطة وُصفت من قبل منتقديه بأنها “غطاء سياسي لتفريغ القطاع من سكانه”، وأعادت إلى الأذهان سيناريوهات التهجير القسري.
وفي تصريح له، قال ترامب:
“يجب أن نحمي المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، ونحن نبحث مع حلفائنا عن حلول جذرية، منها توفير ممرات إنسانية وخيارات إعادة التوطين المؤقت.”
ردود أفعال متباينة
قوبلت تصريحات ترامب بترحيب إسرائيلي علني، حيث وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها “موقف شجاع وصادق من صديق حقيقي”. في المقابل، اعتبرت السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة أن هذه التصريحات “تمهيد لتطهير عرقي تحت عباءة إنسانية”.
أما في الساحة الدولية، فقد أبدت الأمم المتحدة قلقاً بالغاً، داعية إلى احترام القانون الدولي، في حين أعلنت عدة دول عربية رفضها القاطع لأي مشروع يستهدف تهجير سكان القطاع أو إعادة توطينهم خارج أراضيهم.
ترامب وسياسة النار
يعيد هذا المشهد إلى الأذهان حقبة ترامب الأولى، عندما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترف بها عاصمة لإسرائيل، ما فجّر احتجاجات واسعة حينها. ويبدو أن ولايته الجديدة قد تحمل فصلاً أكثر تصعيداً في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لا يتردد في تقديم أوراقه بوضوح، حتى وإن كانت على حساب الاستقرار في المنطقة.