في عالم السياسة، تتباين العلاقات بين القادة باختلاف التوجهات والمصالح، لكن العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بدت وكأنها تسير على إيقاع مختلف عن المألوف. فرغم التوترات المتكررة بين واشنطن وأنقرة، استطاع الزعيمان بناء علاقة وصفها البعض بـ”الاستثنائية”، حيث تميّزت بصراحة غير معهودة وتفاهم يتجاوز الأعراف الدبلوماسية التقليدية. فما سر هذه العلاقة؟
أول ما يلفت الانتباه هو الطبيعة الشخصية المشتركة بين الرجلين. فكلاهما قائد يتمتع بكاريزما عالية، ولا يخشى خوض المعارك الكلامية أو اتخاذ قرارات جريئة. كلاهما أيضاً ينتمي إلى نمط القيادة الشعبوية التي تخاطب الجماهير بشكل مباشر، وتتجاوز النخب والمؤسسات البيروقراطية. هذا التقارب في الأسلوب عزّز من فهم كل طرف لطريقة تفكير الآخر، وخلق نوعاً من “الكيمياء السياسية” بينهما.
لكن العلاقة لم تكن مبنية فقط على المشاعر المتبادلة، بل على مزيج من المصالح والتفاهمات الخاصة. في أكثر من مناسبة، استطاع أردوغان أن يتواصل مع ترامب مباشرة، دون الحاجة إلى المرور عبر القنوات الرسمية التقليدية، وهو ما مكنه من التأثير على بعض القرارات الأمريكية المصيرية. أبرز مثال على ذلك انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا عام 2019، وهي خطوة فُسّرت حينها على أنها نتيجة مباشرة لمكالمة هاتفية بين الزعيمين.
من جهة أخرى، أبدى ترامب قدراً من “التسامح السياسي” تجاه قضايا شائكة كانت لتفجّر الأزمات مع إدارات أمريكية أخرى. ففي قضية شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية “S-400″، ورغم اعتراض البنتاغون والكونغرس، أبدى ترامب تفهماً للموقف التركي، مشيراً إلى “عدالة غير منصفة” في تعامل الولايات المتحدة مع حلفائها. هذه المرونة لم تكن لتحدث لولا العلاقة الشخصية الوثيقة بينه وبين أردوغان.
الجانب الاقتصادي كان أيضاً نقطة التقاء بين الرجلين. ترامب الذي يتبنى سياسة تجارية براغماتية، رأى في تركيا شريكاً مهماً في المنطقة، ودفع باتجاه زيادة التبادل التجاري بين البلدين. أما أردوغان، فكان يدرك أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع البيت الأبيض لتعزيز استقرار الليرة التركية وجذب الاستثمارات.
لكن ورغم هذا التفاهم الظاهري، لم تخلُ العلاقة من التحديات. إذ واجهت تركيا عقوبات أمريكية في نهاية عهد ترامب، كما شهدت العلاقات توترات بسبب ملفات شرق المتوسط، والوضع في ليبيا، وملف حقوق الإنسان. ومع ذلك، استمرت قنوات الاتصال مفتوحة، ما يشير إلى أن العلاقة كانت قادرة على تجاوز العواصف.
ربما يكمن سر العلاقة بين أردوغان وترامب في نقطة بسيطة لكنها فعّالة: القدرة على الحديث بلغة المصالح لا المبادئ، وبأسلوب مباشر بعيد عن المناورة. لقد تعامل كل طرف مع الآخر ليس كشخصية مؤسساتية، بل كقائد يتخذ القرار بجرأة، ويقدّر من يفعل الشيء ذاته.
ويبقى السؤال: هل كانت هذه العلاقة مجرد نتاج لحظة سياسية نادرة، أم أنها تمثل نموذجاً جديداً في العلاقات الدولية تُبنى فيه السياسة على الكيمياء الشخصية أكثر من البروتوكولات؟